(1299 – 1361هـ/1880 – 1942م)
ولد ثابت بن عبد الباقي في عام 1299هـ / 1880م في بيت معروف بالتقوى والصلاح. واسمه ثابت بن عبد الباقي آخونوم. وكانت ولادته في قرية آزاق من محافظات مدينة كاشغر بتركستان الشرقية. وكان والده من الأعيان في بلدة آرتوج المعروفة منذ القدم بالشجاعة والإقدام وكرم الضيافة، وأهلها متصفون بالذود عن حياض الدين والعقيدة. وقد خرج منها أكثر علماء تركستان الشرقية، وحفظة القرآن والمجودين فيه. وكيف لا؟ وأنها بلدة لا يدانيها غيرها من بلاد التركستان، وأهلها مشهورون بالذكاء والفطنة وعلو الهمة وكرم الوفادة، ومتطلعون على الدوام للرقى والحضارة، ولا سِيَّما في الدين والعقيدة والعمل الصالح لخير المجموعة. وقد تغنى بفضلها الفحول من العلماء الأفاضل عرفانا للجميل ومفاخرين بها، حيث إنها منبع الحضارة والعلم والمعرفة والشهامة والصدق والأمانة. وقال قائلهم في صاحب النهاية العلامة زين الدين طيب اللّه ثراه:
زين الأئمة لا زالت هدايته
سدا ليأجوج وإضلالا لمأجوج
آرتوج موقرة لكن لنسبته
يجوز لو باهت الدنيا بآرتوج
ويروى عن بعضهم أن ولادته كانت بعد عام 1880 بسنتين أو سنة واحدة، ولا نعرف الشهر ولا يوم ولادته بالتحديد. ولكن نقول: إن ولادته كانت بعد عام 1880 على أي تقدير. فهناك تخمينات أو تدقيقات مختلفة كل الاختلاف عما نحن فيه، حيث إن الشيخ ثابت بن عبد الباقي قد أكمل تعليمه العالي أو كاد حتى سافر إلى بخارى مع الشيخ العلامة شمس الدين الكاشغري. ولم يقلّ مكثهما في بخارى بحال من الأحوال عن أربع سنوات، ثم رجعا إلى كاشغر قبل ثورة أكتوبر في روسيا عام 1917م. ولما أتى عام 1920م حتى أصبح الشيخ ثابت بن عبد الباقي من كبار علماء كاشغر في القرن العشرين وعمره لا يقل يومئذ عن أربعين سنة. وفي رواية أنه قال من كان في صحبته وهو وزيره في أيام محنته وكفاحه حينما هاجر إلى الشمال الغربي من البلاد في العشرينات. وكان أحد وزرائه في الحكومة ولم يفارقه حتى يوم اعتقاله في مدينة ياركند في سنة 1933م ولم يمهله ولم يطلق سراحه حتى وفاته في حوالي عام 1941م يقول هذا الوزير: إن عمره حينذاك لم يتعد السابعة والأربعين فتكون ولادته في حوالي عام 1890م. ولكن الواقع والحقيقة أنه كان حين اعتقاله في عام 1933م قد تعدى الخمسين وحين وفاته في السجن عام 1941م قد شارف الستين أو كاد فتكون ولادته بعد عام 1880م تقريبا.
تعليمه:
تعلم في حداثة سنه، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في قرية آزاق. ثم جاء إلى مدينة كاشغر المشهورة بمدارسها ومعاهدها العديدة ومشايخها من الأساتذة الفحول، ودرس فيها من علوم في مختلف الفنون من النحو والصرف واللغة والأدب العربي والفقه والتفسير والحديث وأصوله وعلم الفرائض والجبر واللغة الفارسية وآدابها والتاريخ الإسلامي والسير والمعاجم. وكان بداية درسه في مدينة كاشغر في العقد الأول من القرن العشرين الميلادى. وفي العقد الثاني رحل إلى بخارى مع زميله الأستاذ العلامة شمس الدين، ومكث هناك أربعة أعوام أو تزيد، وقرأ على المشايخ الكرام والعلماء العظام في معاهد بخارى حتى أخذ عنهم الإجازة المعهودة في ذلك الوقت.
ثم رجع من بخارى قبيل الثورة البلشفية في روسيا بما فيها البلدان الإسلامية في آسيا الوسطى. وجلس للتدريس في مدينة كاشغر، واشتهر بها علما وفتوى. ولم يلبث أن تربع في كرسي الفتوى. وكانت فتاويه في منتهى الدقة. وكان لا يقبل من أقوال الأئمة إلا ما كانت منها موافقة ومطابقة للكتاب والسنة المطهرة، ويتجنب القيل والقال، وما نراه في كتب الفقه من كلمة خلافا لفلان، وقيل عن فلان، وروي عن فلان…
فذلك الأمر الذي لم يوافق لزملائه وأساتذته من أهل العلم في مدينة كاشغر فلم يقبلوه إلا كارهين مستائين ومناقضين عليه، ورموه بالجديد والجديدية، وذلك في نهاية عام 1920م. وفي عام 1921م ترك مدينة كاشغر وهاجر إلى مدينة غولجا في الشمال، واشتغل بالتدريس والفتوى والخطابة. ثم عيّن قاضيا ومفتيا في تلك الأقاليم من بلاد تركستان الشرقية. وألف عدة مؤلفات منها مؤلفه المشهور «شيرين كلام في سيرة سيد الأنام» في السيرة، وكتابا في العقيدة وسماها «العقائد الجوهرية» وشرح «رسالة بيان السنة» للإمام الطحاوي باللغة التركستانية. وألف هذين المؤلفين في الحجاز. وكذلك ألف كتابا في مجلدين وسماه «إسلام قانونى» باللغة التركستانية أيضا. والكتاب الأخير لم يطبع ولم نعثر على النسخة الخطية له حتى الآن. وكذلك شرح ألفية ابن مالك في قواعد النحو شرحا وافيا، ونقحها وحقق فيها، وكتب حواشيها وطبعها على نفقته الخاصة عشرة آلاف نسخة في مطابع الهند عام 1930م، وشحنها إلى التركستان عبر جبال همالايا من شمال الهند عند عودته إلى البلاد.
قارئى العزيز!
كنا مع العلامة ثابت بن عبد الباقي في شمال التركستان في مدينة غولجا وذلك في العشرينات. وكانت شهرته آخذة في الآفاق شرقا وغربا في عرض البلاد وطولها. وكان يزوره زملائه في العلم والعقيدة، وناصروه في الكفاح والإصلاح، ومريدوه وطلابه في مهجره. وفي رواية زاره العلامة الغازي المؤرخ الشهير محمد أمين بُغْرا والسيد قاسم جان حاجم والفيلسوف الإسلامي المعلم موسى جار اللّه بكييف ابن فاطمة عند نزوح الأخير من روسيا عبر تلك البلاد في عام 1930م. ولكن زيارة هذا الأخير له لم تتأكد حيث إن فضيلة الشيخ ثابت بن عبد الباقي قد سافر في ذلك الوقت إلى الحجاز مارا بتتاريا عبر جبال أورال وإسطنبول ومصر والبلاد العربية والشام. ويقول في مقدمة رسالته التي ألفها في مكة المكرمة عام 1931م: إنه مكث في الحرمين الشريفين خمسة عشر شهرا وحج حجتين، وقابل من قابل من علماء الحجاز والشام ومصر والإسكندرية. كما قابل أيضا تلميذ الإمام محمد عبده الإمام رشيد رضا، وأقام عنده أياما بل شهورا عدة. وله في ذلك مواقف مشهورة ومساجلات علمية. ومن المؤكد وحسب ما كتبه هو في ديباجة رسالته «العقائد الجوهرية» أنه قام بسفره هذا عام 1349هـ، ورجع إلى تركستان الشرقية عام 1351هـ. ولما كان مكثه في الحجاز فقط خمسة عشر شهرا وحج حجتين أنه قد أمضى قرابة سنتين ونصف أو أقل أو ثلاثين شهرا ما بين البلاد العربية الإسلامية والهند. وأمضى أكثرها في التحقيقات العلمية والتأليف والمقابلات الشخصية والوقوف عن كتب على ما جرى وما يجري في البلدان الإسلامية ويسري فيها من نهضة علمية وتعليمية ويقظة فنية ووثبة ثقافية. وسبق في مجالات شتى قلما تجد مثلها في بلاد التركستان الكبرى. وكان يشحذ همته ليرفع عقيرته ويقول من أعلى جبال همالايا «وا إسلاماه»، بل إنه فعل ذلك وهلل وكبر وجاهد وكافح وأقام صرحا شامخا للإسلام. فأعلن جمهورية إسلامية في تركستان الشرقية في 27 رجب سنة 1352هـ. وجعل عاصمتها مدينة كاشغر بصفة مؤقتة. وكان فضيلته على رأس تلك الحكومة الفتية في رياسة مجلس الوزراء على أن يكون رئيس الجمهورية قائد الثورة المباركة وباني ذلك الكيان المبارك الحاج خوجة نياز.
وقد مهد فضيلته لتلك الثورة العارمة من أبرك بقعة فيها ومن حصنها الحصين من ولاية خُتَن الشهيرة، حيث إن فضيلته كان يعلم من قيام الثورة أنها ستعم المناطق كلها بدون استثناء أولا. وثانيا أن لفضيلته المقام المحمود لدى أهالي خُتَن فمثلا في شخصه العلامة المؤرخ الإسلامي الكبير المناضل المقدام السيد محمد أمين بُغْرا منذ أن تلاقيا في زيارته الأخيرة لفضيلته في عام 1928م في مدينة غولجا. ولا بد أنهما قد اتفقا على خطوط معينة التي رسماها منذ البداية. ولذا قصد فضيلته في إيابه من الحجاز عبر الهند مدينة خُتَن دون سواها. وكان قدومه في شهر شعبان أو في أواخر رجب عام 1352هـ. ونزل في مدينة قاراقاش بمدرسة بردى حاجم كضيف عزيز لولاية خُتَن ومدنها الثلاثة الكبرى. وبعد استراحة وجيزة لعدة أيام شرع بالتدريس في نفس المدرسة. وقد أقبل الشهر الكريم رمضان المبارك فشرع في التفسير مستقاة من أربع سور في القرآن الكريم النساء والتوبة والأنفال والفتح من الآيات التي تحث على الجهاد. وفي الأسبوع الأول من الشهر الكريم لم يبق من المدرسة موضع قدم رغم سعتها إلا وغاص بالناس. وكان هذا الدرس من القرآن العظيم في الشهر الكريم تمهيدا للمعركة الفاصلة بين الإسلام وبين خصومه. وفي عصر يوم الثلاثاء الموافق 27 شوال لعام 1352هـ هجمت طلائع المجاهدين قصر الحاكم الصيني، وكان الهجوم شرسا وبطوليا. وخلال ساعتين ونصف استولى المجاهدون على القصر، وقتلوا من فيه من الكفرة والأذناب، وطهروا المدينة من الأنجاس، وصلوا صلاة المغرب في بهو القصر وسط هتاف وتهليل وتكبير جموع غفيرة من عامة المسلمين. وكلهم يتضرعون إلى اللّه الواحد القهار بأن ينصر الإسلام والمسلمين، ويقوي شوكة المجاهدين بنصر من عنده. وبعد عدة انتصارات باهرة وتنظيم صفوف المجاهدين ومراكز قيادتهم المؤمنة اتجهوا صوب قوما وقارغليق، وفتحوا ياركند صلحا، ثم توجهوا إلى مدينة كاشغر. وهكذا من نصر إلى نصر وبعد كفاح مرير وجهاد مستميت وبذل وفداء طوال تسعة أشهر كاملة أعلن فضيلته جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في السابع والعشرين من رجب لعام 1352هـ.
ومن جراء بعض الخلفيات أو الإجراءات غير المتجانسة ومع تربص الأعداء من كل جانب تزحزحت الحكومة وتدحرجت خلال عام 1352هـ وأواخر سنة 1353هــ. وحصلت احتكاكات داخلية بين الصقور والحمام والقيادات الثورية. ومن جراء مكر وخداع من جانب الروس والصينيين وقعت القيادة العامة في الفخ حينما قبلت تسليم فضيلته وزميله الشيخ ظريف قارئ إلى قيادة الصين المركزية مقابل وعود خادعة توحي التنظيم والاستقلال التام. ولم تدر القيادة الثورية أن الثور الأبيض قد أكل يوم أكل الثور الأسود. ومن يومها غربت الشمس عن تلك البلاد الإسلامية الفتية، وأظلمت الدنيا في وجوه المجاهدين الأحرار، وملأت السجون بمئات الألوف من الأبرياء: ﴿رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: 23).
وقد وردت روايات عديدة من غياهب السجون وتحكي تلك الروايات عن التعذيب طيلة سبعة سنوات كاملة حيث اختاره اللّه لجواره في عام 1362هـ. وذلك حسبما روى زميله وأحد وزرائه فضيلة العلامة الشيخ ظريف قارئ حاجم الذي أطلق سراحه في عام 1363هـ، وعاش حتى عام 1387هـ. وخلاصة تحقيقنا في مولده ووفاته أنه ولد عام 1299هـ وتوفي عام 1362هـ من هجرة النبي المجاهد الرسول الكريم محمد بن عبد اللّه عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وأما مقابلاته الشخصية في البلدان الإسلامية، ومواقفه الكريمة مع الأقطاب الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي شخصيات ما بعدها شخصيات فأخذ عنهم فضيلته ما أخذ من توصيات ونصائح، وأعطى ما أعطى من انطباعات عكسية من بعض الشخصيات الدينية والقيادية، وأخذ على بعضهم حياتهم العلمية التي لم توافق المستوى العلمي الرفيع رغم سعة اطلاعهم وتبحرهم في العلوم الدينية، ورغم علو كعبهم في العلم، وتفوقهم فيه، وكثرة تأليفاتهم. والفرصة متاحة ومفتوحة، والكلمة مسموعة منهم، وهم أعلم الناس في الدين ولا سِيَّما القران الكريم والحديث، كما نوّه في مقدمة رسالته في العقيدة «العقائد الجوهرية» المطبوعة مع ترجمة وشرح «بيان السنة» للإمام الطحاوي باللغة التركستانية. ومن الشخصيات الإسلامية التي قابلهم في سفرياته وإقامته وحله وترحاله، وتأثر منهم، وأثّر عليهم وأبقى تأثيره فيهم على سبيل المثال لا الحصر أولا؛ وفي طريقه إلى الحج في عام 1349هـ مر بطاشكند وسمرقند وبخارى وقازان وتتاريا وموسكو وإسطنبول وسائر البلاد العربية الإسلامية حتى في مهجره الأول في شمال البلاد غولجا نفسها، حيث تصاحب فضيلته وتعارف مع سعادة الشيخ مراد مكي بك. وهو تركي الأصل وعربي المنشأ والتعليم. وكان من مبادئه وحدة الإسلام والمسلمين، وتحررهم عقيدة وديارا، واستقلالهم في شؤون إدارة بلادهم على امتداد موقعهم الجغرافي العظيم. والشيخ مراد مكي بك كان يقطن في مدينة جوجَك في شمال تركستان الشرقية كأستاذ ديني آنذاك. والشيخ ثابت بن عبد الباقي حين مروره بتركستان الغربية في طريقه للحج في عام 1929م زار ضريح أمير المحدثين محمد بن إسماعيل البخاري في ضاحية من سمرقند، واعتكف فيه لعدة أيام كما يرويه نفسه. وكذلك اتصل وزار عددا من أكابر العلماء الأجلاء في أنديجان وطاشكند وسمرقند، ثم واصل سيره إلى الشمال عبر جبال أورال إلى مدينة قازان في تتاريا، واتصل بالمفتي ضياء الدين بن فخر الدين، ثم واصل سيره نحو الغرب، فالبلاد الإسلامية والعربية مارا بموسكو، واجتمع في موسكو بالشيخ المعلم الفيلسوف الإسلامي الكبير موسى جار اللّه، وتباحث معه في شتى الميادين. ثم قدم إلى إسطنبول، وزار عددا كبيرا من علماء الدين، وحضر مجالسهم العلمية وهيئاتهم الرسمية، واشترك معهم في كتابة تفسير للقرآن الكريم تحت عنوان «أمر اللّه» (TANRI BUYRUGU) واللجنة المكلفة لهذه المهمة تتألف من خمسة عشر عالما من علماء الدين، وعلى رأسهم الشيخ عمر رضا بك الشهير بالمفتي. وكان من نصيب الشيخ ثابت بن عبد الباقي من هذا التفسير الجليل أن حقّق في تفسير الآيات المنزلة في العقيدة والأحكام الشرعية. ثم جاء إلى مصر القاهرة والإسكندرية، واتصل بالعلماء العظام ومشايخ الجامع الأزهر بما فيهم صاحب المنار تلميذ الإمامين الجليلين الإمام محمد عبده والإمام جمال الدين الأفغاني الذي كان من رأيه أن يكون حكام المسلمين من ذوي الميول الدكتاتورية حتى يلتزم المسلمون بالشريعة الإسلامية ويقيموا حدود اللّه فيهم.
ويقال ثمه زار سوريا أيضا، واتصل بأمير البيان رجل السياسة والأدب المؤرخ شكيب أرسلان بك (ت. 1946م)، واطلع على مؤلفاته منها «حاضر العالم الإسلامي». وكان يقرض شعرا حماسيا وأشعارا في الأدب والأخلاق على منوال الإمام الشافعي رحمه اللّه. وكان يعتز بالعربية ويجيدها ويشيد بلغة الضاد لغة القرآن، وأن خطبه وتحريراته كانت غاية في الجزالة والعمق على غرار «وإن من البيان لسحرا».
وإليكم بعض أشعاره باللغة العربية: ومنه ما توج به كتابه في السيرة النبوية يمتدح بلغة قومه اللغة التركستانية حيث يقول:
وتركية فاقت جمالا وعفة وغنجا وحسنا ما رأى مثلها عين
فأنعم بها من بضة المتجرد العقلية تحكي فضة شابها عين
نأت وكوت قلب المتيمم بالجوى فلم يبق إلا الرسم من بعدها عين
هي كل صب بعدها من مدامع العيون وكم صب حكى عينه عين
أينقص هذا البدر حسنا لكونها من الترك لا لا والذي غيبه عين
وأعتقد أن هذه الأبيات أحسن ما قيل في اللغة التركية قاطبة. ويقول اللغويون العرب: إن كلمة «عين» تأتي في أكثر من أربعين معنى. والناظم هنا أتى بكلمة «عين» في عجز كل بيت، وجمع فيها العين الباصرة والذهب والبناء أو المنازل ونبع الماء والحسد، ثم أنه هناك في هذه الأبيات كلمتان من غريب اللغة العربية مثل نأت وكوت، فالأولى بمعنى العجز المفاجئ، والثانية بمعنى النكبة والسقوط. ولذلك كلمة «صب» أتى بها مرتين في بيت واحد. وقد استعملها في الأول بمعنى الدفع الغزير، وفي الثانية بمعنى أثار الماء حول النبع أو البئر. وله كتاب منظوم في العقيدة يبدأه بالأبيات:
بحمدك يا من أنزل النور والهدى علينا بإحسان فسبحان من هدى
ومن خلق الإنسان في حسن صورة وخلق وتقويم وخلق ليعبدا
وأعطاهم عقلا وحسا ومقولا فصيحا وإدراكا وما تركوا سدى
ومما هو جدير بالذكر أنه فسر القرآن الكريم في السجن طوال إقامته فيه من عام 1933م. وكان إكماله قبل وفاته في عام 1942م، وقد وردت هذه الراوية من غير واحد ممن كان معه في السجن وزاره فيه. ونحن نسمع أن التفسير المذكور موجود الآن في متحف مدينة أورومتشي أو في خزانة الكتب غير المسموحة بالتداول. وقد تيقنّا أخيرا عمن رأه في مناسبات عديدة. وأتى به لمراجعة بعض فقراته لدى الهيئة العليا والعلمية في أورومتشي في أواخر الثمانينات. نرجو اللّه أن يراه النور وينور بصائرنا.
وأخيرا وقد تحقق اللّه أمنيتنا الغالية أن جاءتنا نسختان من ذلك التفسير للجزءين الأخيرين من القرآن الجزء التاسع والعشرون مخطوطا، والجزء الثلاثون مطبوعا. وقد تشرفت بكتابتهما ثانية بالإملاء الجديد أظنه تحت الطبع الآن، ثم بعد ذلك عمت فرحتنا، أن حصلنا على كامل التفسير مخطوطا. وهو على أيدينا الآن نطلب من اللّه أن يوفقنا لكتابته وطبعه في قابل الأيام واللّه على كل شيء قدير والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
من كتاب «الإعلام لبعض رجالات تركستان» للشيخ محمد قاسم أمين التركستاني رحمه الله